“الحج عرفه” عندما تكون البلاغة لم تخلق لغيره صلى الله عليه وسلم، كيف أنه استطاع أن يوصل فحوى ومغزى قيمة وعظمة وفضل هذا اليوم في تلك الكلمتين، عندما يوجز ويوفي في ذات الوقت، عندما يعلمك أن موقف عرفه لا يعادله أي موقف ولا أي يوم، هي بنا نتنقل بين حدائق عرفه الغناء نستنشق من عبقها ورحيقها، ونقطف من ثمار التقوى والخشوع وإتمام الخضوع والتذلل لله الواحد الأحد ونأخذ من معالم وأحكام وقيمة وفضل هذا اليوم العظيم، ونعرف التفسير الصحيح لمعنى هذا الحديث.
صحة حديث الحج عرفة
يكمن معنى الحديث في أن الوقوف بعرفه ركن أساسي من أركان الحج، وهو أعظم ركن في مناسك الحج، ولا يصح الحج بدون الوقوف بهذا المشعر:
- هذا بناء عن المناسك التي قام الرسول بأدائها في حجة الوداع للمسلمين.
- ومناسبة الحديث أن مسلمين جاءوا الرسول وهو في الحج يسألونه كيف يتم الحج.
- فأمر الرسول رجل أن ينادي في القوم أن الحج عرفة ثلاث مرات لما للمشعر من قيمة كبيرة لا يصح الحج بدونه.
- واستكمل الرسول باقي الأحكام فيما يخص رمي الجمار.
- وقام مناديًا في الناس يردد ما قاله سيد الخلق ليسمع القاصي والداني بالحديث والأحكام التي أوردها النبي.
أما عن تخريج حديث الحج عرفة:
الحجُّ عرفاتٌ ، الحجُّ عرفاتٌ ، الحجُّ عرفاتٌ . أيامُ مِنى ثلاثٌ فمنْ تعجّلَ في يومينِ فلا إِثْمَ عليهِ ومن تأخّرَ فلا إثْمَ عليهِ ، ومن أدركَ عرفةَ قبلَ أن يَطلعَ الفجرُ فقد أدركَ الحجَّ
الراوي : عبدالرحمن بن يعمر الديلي | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي
الصفحة أو الرقم: 2975 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح
التخريج : أخرجه الترمذي (2975 )،وابن حبان في ((الصحيح)) (3892 )،وأخرجه النسائي (3044 )، وابن ماجة (3015 )بمعناه.
قد يهمك أيضًا: وزارة الحج والتسجيل في الحج
حكم الوقوف بعرفة في الحج
الوقوف بعرفة واجب وهو ركن من أركان الحج كما بينا في شرح وتخريج الحديث.
- حث النبي على صيام هذا اليوم لما فيه من فضل كبير وجائزة أكبر.
- ولكن الصيام مرتبط بغير الحاج.
- ويحرم على الحاج صيام هذا اليوم.
- وهناك بعض الأحكام التي تتعلق بالوقوف بهذا المشعر.
بالحديث عن أحكام توقيت الوقوف على عرفة ننقل لكم التالي.
ذكر الإمام الشنقيطي الخلاف الحادث بين الفقهاء الواضح في مسألة توقيت الوقوف بعرفه وحدده على النحو التالي:
- الوقوف التام بالإجماع بين الفقهاء لمن يجمع الليل والنهار في الوقوف بعرفه.
- من اكتفى بالليل دون النهار في الوقوف بعرفه يعتبر وقوف تام ولا غبار عليه بإجماع العلماء، إلا المالكية القائلين بوجوب الدم على هذا الشخص.
- من اقتصر الوقوف بعرفه بالنهار دون الليل لا يصح عند المالكية، ولكنه صحيح عند الفقهاء كلهم شريطة أن يجب عليه الدم”النحر”.
الوقوف بعرفة في الحج
بعدما تناولنا مفهوم الحج عرفه، لتعرف أن الحكمة من وقوف الحجيج في يوم عرفة مخفي الحكمة منه، وعلينا كمسلمين تمام التسليم لأوامر الله سواء إن ذكر الله من الحكمة من ورائها أم جعلها من الغيبيات:
- يرجع السبب الرئيسي لتسمية المكان بعرفة، أنه مكان يتعرف لناس بعضهم على بعض.
- ويقال أن المكان هو الموضع الذي عرف فيه آدم وحواء بعضهما عند اللقاء الأول على الأرض بعد أن خرجوا من الجنة.
- يقال أيضًا أن جبريل عليه السلام عندما كان يري إبراهيم المشاهد كان يجيب عليه السلام أن عرفت، وهذه الأقوال عائدة للقرطبي في التفسير.
هيئة الوقوف بعرفة
لم يفرض الله أن يتقيد المسلم الواقف بعرفة هيئة معين لتمام الحج، حتى لا يشق على المسلمين:
- ولكن قيد فقط أن يظل متواجد في الصعيد لا يخرج منه، سواء أن كان قائم أو قاعدًا أو مضجعًا.
- كل ما عليه أن يركز في الذكر ويبتهل في الدعاء ويكثفه بطريقة شديدة، لعل الله يغفر له ويستجيب.
- وعليه بأن ينشغل بالتسبيح ويشغل قلبه بالخشوع وحسن التذلل لله والقنوط.
- كذلك لم يفرض أيضًا الطهارة طوال مدة المكوث في صعيد عرفة، الدليل في ذلك أن النبي قال لعائشة عندما كانت حائض بعد أن أحرمت:
(افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري). متفق عليه
قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من وقف بعرفة غير طاهر فوقوفه صحيح، وهو مدرك للحج ولا شيء عليه).
ماذا يقول الحجيج في يوم عرفة؟
لا يشترط قول أذكار معينة في هذا اليوم، ولكن يجب الإكثار من الدعاء والاستغفار، بالأساس مجرد الوقوف يسقط الغشاوة على صحة الحج.
ولكن يستحب أن يعي المسلم بما شاء لأن الموقف مشهود من الله والملائكة، ويكون يوم عظيم، وقد ورد عن رسولنا:
خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا و النبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). رواه الترمذي.
أقوال أخرى محببة يوم عرفة:
- كثرة الصلاة على النبي.
- الإكثار من التكبير” الله أكبر الله أكبر ألله أكبر”.
- كثرة الاستغفار.
- كثرة التلبية “لبيك اللهم لبيك ……”.
- الإكثار من خير الدعاء الذي تم ذكره سلفًا.
- ويستحب قراءة القرآن في ذلك اليوم.
- ولا يخلو الأمر من الحديث مع الله ومناجاته والإكثار من إظهار التذلل والافتقار.
- أن يكثر من التوبة والعزم على عدم العود للمعاصي، وأن يعاهد الله على عدم العودة للذنب مرة أخرى.
- كذلك أن يحمد لله ويثني عليه، وغيرها من الأقوال وتحريك اللسان بما في القلب من افتقار واشتياق ونظرة من الله لحالنا.
- أن يتذكر عظم الموقف وكيف أن الله يباهي بنا الملائكة في تلك اللحظات عسى أن تلفحه نفحات هذا المشهد فنكون من العتقاء من النار.
جبل عرفة
جرى العرف لدى الناس أن الوقوف بعرفه يعني الصعود إلى الجبل والوقوف عليه،فهل هذا صحيح؟:
- الإجابة تكمن في هدي النبي حيث لم يرد عن النبي أنه قام باعتلاء الجبل أو الوقوف عليه يوم حجة الوداع.
- والحال أننا مأموين باتياع النبي وأخذ المناسك عنه صلى الله عليه وسلم، والوارد عنه أنه أتخذ من أسفل الجبل عند الصخر الضخم موقف له وقال:
« وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة »
- حتى أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن الوقوف بالجبل بدعة مثل النووي والشيخ صديق خان، وبن تيمية.
- والحال أن من قام بالوقوف في أي موضع أو مكان حجه صحيح وليس فيه شائبة.
- وقد وضحت السلطات المعنية في المملكة العربية السعودية علامات وإشارات واضحة تبين بدقة محيط عرفة ومواضعه تيسيرًا على الحجيج.
- وعلى الحجاج ألا يجتازوا هذه الخطوط حتى الانتهاء للحفاظ على صحة الحج، فالرسول قال الحج عرفه.
- وسواء خرج الحاج إلى العراء أو دخل المخيم فلا شيء في ذلك مادام كان الموضع ضمن العلامات المعلنة.
- وتقوم السلطات بغلق المداخل والمخارج حتى لا يفسد الحاج المشاعر عن خطأ.
- نظرًا للزحام الشديد الذي يكون في عرفات تشترط تطعيمات معينة للحفاظ على صحة كل الحجيج.
فضل يوم عرفة
هذا اليوم المشهود الذي تغفر فيه الذنوب، ولا عجب أن يقول الرسول الحج عرفه:
- من أفضل الأيام عند الله وهو اليوم الذي قال فيه النبي في ججة الوداع اليوم أكملت لكم دينكم.
- وهو يوم يتجمع فيه الناس عسى أن يكون قربة لله أن ينظر إلينا بنظرة رضا لا نشقى بعدها أبدًا.
وفضائل الشهر العظيم كثيرة نفردها على النحو التالي:
أفضل الأيام عند الله
وذلك لحديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال “أفضل الأيام يوم عرفة” رواه ابن حبان.
وقال عليه الصلاة والسلام “مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ”.
مذكور في القرآن
بعد الحديث عن معاني “الحج عرفه” نأتي للحديث عن تفسير الآية 3 من سورة البروج “وشاهد ومشهود”:
- قيل أن الشاهد هو أيام الجمعة.
- المشهود هو موقف عرفة.
- هذا ذكر أبو هريرة رضي الله عنه النبي، والحديث حسنه الألباني ورواه الترمزي.
- والتفسير يثير في القلب قشعريرة وتؤده، حيث أن هذا اليوم عظيم لدرجة ذكره بالقرآن أنه مشهود من كل الناس.
- والحال أن المسلمين في كل بقاع العالم حتى من غير الحجاج يشهدون هذا اليوم عبر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة.
- حتى أيام ما قبل التلفزة والأقمار الصناعية كان الناس يشهدونه بقلوبهم والتهيؤ فيه بالأعمال الصالحة التي تقربهم من الله.
يوم التاسع من ذي الحجة
كون يوم عرفه من ضمن أيام ذي الحجة العظيم التي يسارع فيها المسلمين في عمل الخيرات وترك المنكرات.
ولا يعادلها أي أجر ولا ثواب حتى الجهاد في سبيل الله.
قال الرسول ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى من هذه الأيام يعني العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء” رواه البخاري.
أقسم به الله
عندما قال المولى جل في علاه “والشفع والوتر” في سورة الفجر طبقًا لرواية بن عباس رضي الله عنه، أن الوتر يقصد به يوم عرفه، كذلك الشفع هو يوم النحر.
يوم إكمال الدين وإتمام النعمة
روي أن أحد أحبار اليهود جاء إلى عمر يقول له:
- أن في القرآن آيه لو نزلت في عندنا في التوراة لكان هذا اليوم عيدًا لنا بتوقيت نزولها.
- الآية المقصودة هي ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا” الآية 3 من سورة المائدة.
- ونزلت هذه الآية على النبي في حجة الوداع في يوم الجمعة الموافق ليوم عرفه في هذه الحجة.
- حيث إكمال الدين هو قيام المسلمين بالحج الصحيح على قواعد ونسك سيدنا إبراهيم.
- كذلك انتزاع الوثنية والشرك من المناسك ومن المشاعر، وتحطيمها أمام المسلمين ونزعها من قلوبهم.
- أما عن إتمام النعمة، هي المغفرة وما أكرمها من نعمة حيث الهناء وانتزاع الذنوب من الصحائف والتوجه لله بغير ذنوب.
العتق من النار
استكمالًا لفضل هذا اليوم العظيم، نأتي بالفضل الأعظم وهو العتق من النار وأن الله يباهي الملائكة وهو يوم عظيم وموقف عظيم أيضًا حيث قال الرسول:
ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفه، وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء” روا مسلم.
قال أيضًا صلوات الله عليه وسلم “إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا” رواه أحمد.
أجر كبير لغير الحجاج
لم يحرم الله المسلمين التي تهفو قلوبهم في كل بقاع الدنيا وحبسهم العذر من أجر هذا اليوم، فشرع لهم الصوم وأجر صيام هذا اليوم هو تكفير ذنوب عامين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صيام يوم عرفه أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” رواه مسلم.
أعياد في الأرض
خص الله هذا اليوم العظيم بكونه عيد وفرحة وبهجة للمسلمين مع يوم النحر وأيام التشريق الثلاث.
- وهي أيام أمرنا الله فيها بتناول الطعام والشراب وإظهار البهجة.
- وهو يوم فخر وزهو للمسلمين بالنعم التي وهبها الله لنا والأجر والمغفرة الكبيرة واستجابة الدعاء.